فصل: (سورة الزمر: الآيات 24- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

1- في قوله {مثاني} وصف الواحد بالجمع لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل، ألا تراك تقول القرآن أسباع وأخماس وسور وآيات وأقاصيص وأحكام ومواعظ مكررات، ونظيره قولك الإنسان عظام وعروق وأعصاب.
وأجاز الزمخشري وجها لطيفا آخر قال: ويجوز أن لا يكون مثاني صفة ويكون منصوبا على التمييز من متشابها كما تقول رأيت رجلا حسنا شمائل والمعنى متشابهة مثانيه.
2- فائدة التكرير:
وفائدة التثنية والتكرير ترسيخ الكلام في الذهن فإن النفوس تملّ عادة من الوعظ والتنبيه وتسأم النصيحة بادئ الأمر، ففي تكرير النصح والموعظة تعويد لها على استساغة ذلك والعمل به وقد ثبت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يكرر عليهم ما يعظ وينصح به ثلاثا وسبعا أحيانا ليركز ذلك في نفوسهم والمعلم النابه لا يفتا يردد ما يلقيه على طلابه من دروس حتى يصبح مستساغا إليهم هشا في نفوسهم بعد أن كان صعبا ممجوجا.
3- التجسيد الحي:
وفي قوله {تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه} نكت بلاغية بديعة وأهمها التجسيد الحي، أراد سبحانه أن يجسد فرط خشيتهم فعرض عليك صورة من الجلد اليابس وصورة من الشعر الواقف، ألا نقول: وقف شعر رأمنه من الخوف، وفي ذكر الجلود وحدها أولا وقرنها بالقلوب ثانيا لأن ذكر الخشية التي محلها القلوب مستلزم لذكر القلوب فكأنه قيل تقشعر جلودهم وتخشى قلوبهم في أول الأمر فإذا ذكروا اللّه وذكروا رحمته وسعتها استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم وبالقشعريرة لينا في جلودهم. وقيل المعنى أن القرآن لما كان في غاية الجزالة والبلاغة فكانوا إذا رأوا عجزهم عن معارضته اقشعرت الجلود منه إعظاما له وتعجبا من حسنه وبلاغته ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه.

.[سورة الزمر: الآيات 24- 28]:

{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (26) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)}.

.الإعراب:

{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ} الهمزة للاستئناف الإنكاري والفاء عاطفة على جملة مقدرة تفهم من مضمون السياق أي أكل الناس سواء فمن يتقي، ومن اسم موصول في محل رفع مبتدأ وجملة يتقي بوجهه صلة وسوء العذاب مفعول به ويوم القيامة ظرف متعلق بيتقي وخبر من محذوف تقديره كمن أمن من العذاب وسيأتي معنى الاتقاء بالوجه في باب البلاغة.
{وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} وقيل عطف على يتقي أي ويقال لهم ذوقوا وإنما عدل إلى الماضي للدلالة على تحقق وقوع القول ويجوز أن تكون الواو حالية والجملة في محل نصب على الحال من ضمير يتقي وللظالمين متعلقان بقيل وفيه وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا عليهم بالظلم وجملة ذوقوا مقول القول وما مفعول ذوقوا وكنتم تكسبون كان واسمها وخبرها والجملة صلة ما.
{كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} كلام مستأنف مسوق لبيان ما أصاب الكافرين من قبلهم من عذاب دنيوي، وكذب الذين فعل وفاعل ومن قبلهم متعلقان بمحذوف صلة الذين، فأتاهم العذاب عطف على ما تقدم وأتاهم فعل ومفعول به مقدم والعذاب فاعل مؤخر ومن حييث متعلقان بأتاهم وجملة لا يشعرون في محل جر بإضافة الظرف إليها.
{فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} الفاء عاطفة وأذاقهم اللّه فعل ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر والخزي مفعول به ثان وفي الحياة الدنيا متعلقان بأذاقهم أو بمحذوف حال.
{وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} الواو عاطفة واللام لام الابتداء وعذاب الآخرة مبتدأ وأكبر خبر ولو شرطية وكان واسمها وجملة يعلمون خبرها وجواب لو محذوف دل عليه ما قبله ومفعول يعلمون محذوف أيضا تقديره عذابها.
{وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} الواو عاطفة واللام جواب للقسم المحذوف وضربنا فعل وفاعل وللناس متعلقان بضربنا على أنه مفعول به ثان لأن ضرب متضمن معنى جعل وفي هذا القرآن حال ومن كل مثل نعت لمفعول ضربنا الأول أي مثلا كائنا من كل مثل ولعل واسمها وجملة يتذكرون خبرها.
{قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} قرآنا حال موطئة لأنها ذكرت توطئة للنعت بالمشتق بينما هي جامدة وهي حال من القرآن والاعتماد فيها على الصفة وقال اللقاني: قرآنا مصدر بمعنى القراءة فهي مؤولة بمقروءا عربيا فهو مصدر والمصدر الحال يؤول بمشتق وقال الصفاقسي: قيل الحال قرآنا وعربيا توطئة ومعنى التوطئة أن الاسم الجامد لما وصف بما يجوز أن يكون حالا صلح أن يكون حالا وعلى هذا تضبط موطأة بفتح الطاء وقال السمين: الثالث أن ينتصب على الحال من القرآن على أنها حال مؤكدة وتسمى حالا موطئة لأن الحال في الحقيقة عربيا وقرآنا توطئة له نحو جاء زيد رجلا صالحا وهكذا قرر الزمخشري. وأجاز الزمخشري وغيره أن ينتصب قرآنا على المدح لأنه لما كان نكرة امتنع اتباعه للقرآن وأجاز أبو البقاء أن ينتصب بيتذكرون.
وغير ذي عوج نعت ثان لقرآنا وسيأتي معناه في باب البلاغة ولعلهم يتقون لعل واسمها وجملة يتقون خبرها.

.البلاغة:

1- الكناية أو المجاز التمثيلي:
في قوله {أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب} كناية عن عدم الاتقاء لأن الوجه لا يتقى به وأما الذي يتقى به فهما اليدان وهما مغلولتان ولو لم يغلا لكان يدفع بهما عن الوجه لأنه أعز أعضائه وقيل هو مجاز تمثيلي لأن الملقى في النار لم يقصد الاتقاء بوجهه ولكنه لم يجد ما يتقي به النار غير وجهه ولو وجد لفعل فلما لقيها بوجهه كانت حاله حال المتقي بوجهه فعبر عن ذلك بالاتقاء من باب المجاز التمثيلي وهو جميل أيضا. قال النابغة:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ** فتناولته واتقتنا باليد

2- معنى العوج:
تقدم معنى العوج في الكهف وأن العوج بالكسر مختص بالمعاني دون الأعيان والسرّ فيه، فارجع إليه هناك وقيل المراد بالعوج الشك واللبس، قال:
وقد أتاك يقين غير ذي عوج ** من الإله وقول غير مكذوب

وعلى كل حال ففي الكلام استعارة تصريحية.

.[سورة الزمر: الآيات 29- 32]:

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32)}.

.اللغة:

{مُتَشاكِسُونَ} متنازعون مختلفون قال الزمخشري:
والتشاكس والتشاخس الاختلاف تقول: تشاكست أحواله وتشاخست أسنانه وفي المختار: رجل شكس بوزن فلس أي صعب الخلق وقوم شكس بوزن قفل وبابه سلم وحكى الفراء شكس بكسر الكاف وهو القياس قلت: وقوله تعالى: {فيه شركاء متشاكسون} أي مختلفون عسرو الأخلاق وفي الصحاح: رجل شكس بالتسكين أي صعب الخلق وقوم شكس مثل رجل صدق وقوم صدق وقد شكس بالكسر من باب سلم شكاسة وحكى الفراء: رجل شكس بكسر الكاف وهو القياس.
وللشين والسين إذا كانتا فاء ولاما للكلمة خاصة الصلابة والامتناع وسوء الخلق: يقال شئس كفرح أي صلب فهو شئس وشأس، والشحس بالفتح شجر مثل العتم إلا أنه أطول ولا تتخذ منه القسي ليبسه، والشخس الاضطراب والاختلاف وقد تقدم، والشرس محركة سوء الخلق وشدة الخلاف كالشراسة والأشرس الجريء في القتال والأسد وهذا جمل لم يشرس أي لم يرض، والشس الأرض الصلبة كأنها حجر واحد، والشطس: الدهاء والعلم به والشطسي كجمحيّ الرجل المنكر المارد الداهية، والشمس معروفة وليس هناك أمنع منها وشمس الفرس شموسا وشماسا منع ظهره فهو شامس وشموس والشموس الخمر لأنه تجعل شاربها شموسا، والشموس محركة: النظر بمؤخر العين تكبرا أو تغيظا كالتشاوس. وهذا من غريب أمر لغتنا الشريفة.
{سَلَمًا} مصدر سلم وقرئ {سالما} على أنه اسم فاعل أي خالصا.

.الإعراب:

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا} كلام مستأنف مسوق لتمثيل من يعبد آلهة كثيرة ومن يعبد إلها واحدا. وضرب اللّه فعل وفاعل ومثلا مفعول به ورجلا بدل من مثلا وقد تقدم إعراب نظيره، وقال الكسائي: انتصب رجلا على إسقاط الخافض أي مثلا في رجل. وفيه خبر مقدم وشركاء مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية صفة رجلا ومتشاكسون نعت لشركاء ورجلا عطف على رجلا وسلما نعت بالمصدر على سبيل المبالغة ولرجل متعلقان بالمصدر وهو حرف استفهام ويستويان فعل مضارع وفاعل ومثلا تمييز محول عن الفاعل أي لا يستوي مثلهما وأفرد التمييز لاقتصاره عليه في الأول وقرئ {مثلين} لمطابقة حالي الرجلين.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} الحمد مبتدأ وللّه خبر والجملة الاسمية معترضة لأن قوله بل أكثرهم لا يعلمون إضراب انتقالي مرتبط بقوله هل يستويان وأكثرهم مبتدأ وجملة لا يعلمون خبر.
{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} جملة مستأنفة مسوقة للرد عليهم فقد كانوا يتربصون موته ويستبطئونه فأخبر اللّه تعالى أن الموت يعمهم جميعا فلا معنى للتربص والاستبطاء ولا مبرر لشماتة فان بفان، وإنك ميت إن واسمها وخبرها وإنهم ميتون عطف على ما تقدم وسيأتي مزيد من الكلام على هذه الآية في باب البلاغة.
{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي وإن واسمها ويوم القيامة ظرف متعلق بيختصمون وعند ربكم ظرف متعلق بمحذوف حال وسيأتي معنى الاختصام في باب الفوائد.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ} الفاء عاطفة ومن اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ومعناه النفي أي لا أحد وممن متعلقان بأظلم وجملة كذب على اللّه صلة من وكذب بالصدق عطف على كذب على اللّه وإذ جاءه ظرف متعلق لكذب بالصدق أي كذب بالقرآن وقت مجيئه وجملة جاءه في محل جر بإضافة الظرف إليها.
{أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ} الهمزة للاستفهام التقريري وليس فعل ماض ناقص وفي جهنم خبرها المقدم ومثوى اسمها المؤخر وللكافرين صفة لمثوى أو بنفس مثوى لأنه اسم مكان من ثوى أي أقام.

.البلاغة:

1- فن المثل:
في قوله {ضرب اللّه مثلا رجلا فيه شركاء} الآية فن إرسال المثل فقد شبه حال من يعبد آلهة شتى بمملوك اشترك فيه شركاء شجر بينهم خلاف شديد وخصام مبين وهم يتجاذبونه ويتعاورونه في شتى آرابهم ومتباين أهوائهم فهو يقف متحيرا لا يدري لأيهم ينحاز ولأيّهم ينصاع وأيهم أجدر بأن يطيعه وحال من يعبد إلها واحدا فهو متوفر على خدمته يلبي كل حاجاته ويصيخ سمعا لكل ما ينتدبه إليه ويطلبه منه.
2- الفرق بين ميت وميّت:
قال الفراء: الميت بالتشديد من لم يمت وسيموت والميت بالتخفيف من فارقته الروح ولذلك لم يخفف في الآية لأنه لمّا يمت ولمّا يموتوا بالنسبة لنزول الآية، وقال الزمخشري: والفرق بين الميت والمائت أن الميت صفة لازمة كالسيد وأما المائت فصيغة حادثة تقول زيد مائت غدا كما تقول سائد غدا أي سيموت وسيسود وإذا قلت زيد ميت فكما تقول حي في نقيضه فيما يرجع إلى اللزوم والثبوت والمعنى في قوله: إنك ميت وإنهم ميتون إنك وإياهم وإن كنتم أحياء فأنتم في عداد الموتى لأنّ ما هو كائن فكأن قد مات.

.الفوائد:

وهذه نبذة لا مندوحة عن إيرادها في معنى الاختصام: فقد جاء عن عبد اللّه بن الزبير قال: لما نزلت: {ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} قال الزبير يا رسول اللّه أتكون علينا الخصومة؟ بعد الذي بيننا في الدنيا قال نعم فقال: إن الأمر إذن لشديد أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وقال ابن عمر رضي اللّه عنهما عشنا برهة من الدهر وكنا نرى أن هذه الآية نزلت في أهل الكتابين: ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قلنا: كيف نختصم وديننا واحد ونبينا واحد فما هذه الخصومة؟ فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا: نعم هذا هو.
وعن أبي بكرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قال القسطلاني في شرحه: أي فضرب كل واحد منهما الآخر إذا كان قتالهما بلا تأويل، بل على عداوة دنيوية أو طلب ملك مثلا فأما من قاتل أهل البغي أو دفع الصائل فقتل فلا، أما إذا كانا صحابيين فأمرهما عن اجتهاد لإصلاح الدين وفيه أن من عزم على المعصية أثم وإن لم يفعلها. وفي رواية إذا المسلمان جمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على حرف جهنم فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعا قال: فقلنا أو قيل يا رسول اللّه هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه، رواه البخاري ومسلم، قال العلماء: معنى كونهما في النار أنهما يستحقان ذلك ولكن أمرهما إلى اللّه تعالى إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين وإن شاء عفا عنهما فلم يعاقبهما أصلا وقيل: هو محمول على من استحل ذلك، وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد وقد عفا اللّه تعالى عن المخطئ في الاجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجرا واحدا وأن المصيب يؤجر أجرين وجعل هؤلاء الوعيد المذكور في الحديث على من قاتل بغير تأويل سائغ بل بمجرد طلب الملك.
وقد أخرج البزّار في حديث «القاتل والمقتول في النار» زيادة تبين المراد وهي: «إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار» ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ: «لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قتل؟ ولا المقتول فيم قتل؟ فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهرج: القاتل والمقتول في النار» هذا والكلام في هذا الباب طويل يرجع فيه إلى المطولات لأنه خارج عن نطاق هذا الكتاب.